17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف | محمد أبو المجد وداعاً

إيقاع مختلف | محمد أبو المجد وداعاً

لماذا تضن علينا الحياة بمساحات النبل وبحضور النبلاء؟!

لكأن الزمن الذى نحياه صار أضيق من أن يتسع للحضور النبيل، وكأن مؤذناً يؤذن فى النبلاء أن هيا لتذهبوا، فإذا هم يسارعون فى الذهاب. كان هذا هو المعنى الذى ورد إلى ذهنى حين قرأت الخبر المحزن برحيل واحد من أنبل من التقيت بهم فى ميدان العمل الثقافى،

هو شاعر مميز، لكنه أبداً لم يدخل فى سباق مع قبيلة الشعراء، لا لشىء إلا لأن رسالته أوجبت عليه أن يتولى هو شؤون الشعراء والروائيين وكتاب القصة والمفكرين، حين صعد سلم الإدارة فى الهيئة المصرية لقصور الثقافة حتى أوشك على الوصول إلى قمتها العليا، قبل أن تأتيه دفعة فى الظهر لتطيح به بعيداً بعيداً بعيداً، فلا ترى على وجهه غير تلك الابتسمة الراضية التى تؤمن بأن الرسالات والأدوار ليست وقفاً على المناصب، بل هى فوقها بكثير.

نعم عرفت محمد أبو المجد شاعراً بالغ الرهافة، وإنساناً بالغ النبل، ورئيساً للإدارة المركزية للشؤون الثقافية بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، وفى هذه كان يتميز بميزة لا أظننى رأيتها فى كثيرين سواه، نعم كانت لديه قدرة مذهلة على أن يظل مستحضراً الهدف الكبير والغاية العليا للعمل الثقافى، من حيث هو يحيط بكل التفصيلات الصغيرة لعمله الدؤوب، فلا هذه تنسيه تلك، ولا تلك تستغرقه فتنأى به عن هذه.

امتدت صداقتنا لنحو ربع القرن، لكننى لم أقترب منه فى ميدان عمله على هذا النحو القريب جداً إلا منذ حوالى أربع سنوات، حين أصبحت رئيساً للجنة الإعلام بمؤتمر أدباء مصر، وهنا أتيح لى أن أرى وجهاً لم أكن أعرفه فى صديقى النبيل، ذلك هو وجه المسؤول الثقافى الذى حدثتكم عنه، إلمام مدهش بالتفاصيل الصغيرة، وإدرك ساطع بالغاية والهدف والاستراتيجية الكبرى.

أظن أن ما كتب عن محمد أبو المجد على مدى الأسبوع الماضى قد كشف كيف كان هذا الشاعر الإنسان قادراً على أن يكون صديقاً للجميع، بمصداقية نبيلة، وإنسانية بالغة، وقدرة مدهشة على أن يدخل القلوب والعقول معاً بعد استئذان حيى رقيق لطيف. هل أتخذ من وداع صديقى محمد أبو المجد فرصة لكى أنبه أولئك المتهافتين على المناصب والمراكز الإدارية على حقيقة الصراع الذى يمارسونه فى شراسة لا إنسانية؟! ومنذ متى كان هؤلاء مستعدين لأن يستمعوا أو أن يتأملوا أو أن يلتفتوا إلى الحقيقة الساطعة التى تقول إنهم يسعون وراء وهم كبير وسراب خادع كثيراً ما يجعلهم يتخلون عن إنسانيتهم من أجل الخواء الكبير؟!

يقينى أن الصراعات الصغيرة ستظل محتدمة، وأن اللهاث المسعور سيظل متصلاً، وربما صار أكثر شراسة، بعد أن تخلو الساحة شيئاً فشيئاً من أولئك النبلاء النبلاء. رحم لله صديقى محمد أبو المجد، وألهمنا أن ننشر بعض ما كان هو ينشر فى الحياة من عطر إنسانى نبيل.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة